لازالت مدينة فاس المغربية تحافظ على بعض دور الدباغة، والتي يعود بنائها للعصور الوسطى وعلى رأسها أهم دار دبغ ” دار دبغ شوارة “.تقع هذه المعلمة التاريخية التي فتحت على مدار قرون بقلب المدينة العتيقة بحي لبليدة، وقد تم تأسيسها في العهد المريني، منذ 1280 وتمتد مساحتها على 3500 متر مربع وتضم 700 صانع يتوزعون على 400 محل لصنع المنتجات الجلدية. وتتصل دار الدبغ شوارة بدور دباغة أخرى فيظن الزائر وكأنه وسط مهرجان من الألوان، إذ توجد على أسطح المدبغة بازارات تقليدية تبيع كل ما هو مصنوع من الجلد من سترات وحقائب و أحذية
و بلاغي.
و في المدبغة يتم معالجة جلد الغنم والماعز والبقر، فبعدما يتم التوصل بالجلد يترك في الشمس لمدة أسبوع أو أكثر ليجف من الماء والملح، وبعدما يجف يشرع في شق الجلد من أجل فصل الجلد عن الصوف، ثم يغسل في واد الزحول ويتم نقله
إلى المدبغة عبر أزقة المدينة الضيقة بعد تحميله على ظهر الحمار أو الحصان، وبعدما يصل للمدبغة يتم غسله من جديد في آبار مخصصة لغسل الجلود ( جفنة ) عن طريق دعك الصانع لها وهو حافي القدمين ومعالجتها بمواد طبيعية كالجير البلدي، وفضلات طائر الحمام والنخالة والدبغ وعشبة الخابوري والتكاوت والزعفران وبعدها ننتقل لمرحلة التلوين.
رغم اعتماد بعض الألوان الكيماوية الحديثة من أجل صناعة الجلد الذي يستخدم في صناعة الملابس العصرية، إلا أن المدبغة لا تزال تستخدم ألوان طبيعية من أجل الحصول على أجود أنواع الجلد لصناعة المنتجات التقليدية ، حيث يتم تحضير الألوان داخل أحواض دار الدبغ الدائرية وتسمى “بالمركلة” باستعمال مواد طبيعية متنوعة منها: قشر البلوط و الرمان والجير والنعناع والزعفران و غيرها من الأعشاب والملونات الطبيعية. فاللون الأحمر مثلا لون أزهار بلعمان (الأقحوان) واللون الأخضر النعناع، والأسود هو لون الكحل، كما تستعمل بعض الصبغات الحمضية و الأعشاب التي لها
رائحة زكية و التي تتلف رائحة الجلد الكريهة كصبغات مادة الهيميلين، و يضاف الزيت
لزيادة نعومة الجلد ، وبعد تحضير اللون المرغوب فيه يتم نقع الجلد بالحوض لمدة عشرة أيام بعدها يتم تجفيف الجلد ونشره في مكان وفي الغالب ننقله إلى تلة مرتفعة تقع باب الجيسة. وبعدما يجف الجلد يتم إعادة إلى المدبغة من أجل التقشير والدلك ليزال منها الزائد وتصبح لينة أكثر”.
وعلى العموم فإن عمال المدابغ لابد أن يتوفروا على البنية الجسدية التي تخولهم العمل بها وذلك لأن عمل الدباغ يحتاج للقوة، كونهم يظلون ساعات طوال تحت أشعة الشمس. أما العمل داخل دار الدبغ فيبدأ بدرجات كالترقية في العمل، إذ يبدأ العامل بجمع النفايات، ثم يرتقي الحرفي بعد ذلك إلى قسم الجير، وعندما يكتسب خبرة كافية مع مرور الأيام يسمح له بالدخول إلى أحواض المدبغة وملامسة الجلد لأول مرة .. وأثناء العمل عادة ما يردد العمال بالمدبغ أغاني وتهاليل من أجل الترويح عن النفس ومحاولة الاستمتاع بالوقت.
وعن السياح والزوار، فإن كل مار يستطيع ملاحظة مدى استمتاعهم بجمال المنظر حيث تجدهم يلتقطون الصور من البازارات المطلة على المدبغة وأحيانا مع العمال نفسهم بالإضافة إلى اقتناء منتجات محلية مصنوعة من الجلد الفاسي النقي.
التقييمات
لا توجد مراجعات بعد.